فصل: 1256 يعقوب بن عبد الرحمن بن القاضي أبي سعد بن أبي عصرون الشيخ سعد الدين أبو يوسف التميمي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **


1256 يعقوب بن عبد الرحمن بن القاضي أبي سعد بن أبي عصرون الشيخ سعد الدين أبو يوسف التميمي

روى بالإجازة عن أبي الفرج بن الجوزي

وله مسائل جمعها على كتاب المهذب وكان فقيها فاضلا درس بالمدرسة القطبية بالقاهرة مدة ثم توفي بمدينة المحلة في ثالث عشر رمضان سنة خمس وستين وستمائة

1257 يوسف بن رافع بن تميم بن عتبة بن محمد بن عتاب الأسدي الحلبي

قاضي القضاة بحلب بهاء الدين أبو المحاسن ابن شداد

وابن شداد جده لأمه فنسب إليه

ولد في رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بالموصل وحفظ القرآن ولزم يحيى بن سعدون القرطبي فقرأ عليه القرآن والعربية وسمع منه ومن محمد ابن أسعد حفدة العطاري صاحب البغوي ومن ابن ياسر الجياني وأبي الفضل خطيب الموصل وأخيه عبد الرحمن بن أحمد والقاضي أبي الرضا سعيد بن عبد الله الشهرزوري وأبي البركات عبد الله بن الخضر الشيرجي الفقيه ويحيى الثقفي وببغداد من شهدة الكاتبة وأبي الخير القزويني وجماعة وحدث بدمشق ومصر وحلب

روى عنه أبو عبد الله الفاسي المقرئ والحافظ المنذري وكمال الدين ابن العديم وابنه مجد الدين وجمال الدين ابن الصابوني والشهابان القوصي والأبرقوهي وسنقر القضائي وجماعة

وكان إماما فاضلا ثقة عارفا بالدين والدنيا رئيسا مشارا إليه متعبدا متزهدا نافذ الكلمة وكان يشبه بالقاضي أبي يوسف في زمانه

دبر أمور الملك بحلب واجتمعت الألسن على مدحه والقلوب على حبه لمكارمه وأفضاله ونفعه الطلبة في العلم والدنيا

وله المصنفات الكثيرة منها كتاب ملجأ الحكام عند التباس الأحكام وكتاب دلائل الأحكام وكتاب الموجز الباهر في الفقه وكتاب سيرة السلطان صلاح الدين وكتاب فضائل الجهاد صنفه للسلطان صلاح الدين

وكان من بدء سعادته أنه حج وورد إلى الشام فاستحضره السلطان صلاح الدين وأكرمه وسأله عن جزء حديث ليسمع منه فأخرج له جزءا فقرأه عليه بنفسه ثم جمع كتابه في فضائل الجهاد وقدمه للسلطان ولازمه فولاه قضاء العسكر وقضاء القدس وهو أول قاض ولي القدس بعد فتوح صلاح الدين وكان حاضرا موت صلاح الدين وخدم بعده ولده الملك الظاهر فولاه قضاء مملكته ونظر أوقافها سنة نيف وتسعين وكان القاضي بهاء الدين لا ولد له ولا قرابة وزاد إقبال الملك الظاهر عليه وأقطعه الإقطاعات الهائلة وكان ينعم عليه بعد ذلك بالأموال الجزيلة فتكاثرت أمواله فعمر بحلب مدرسة ثم دار حديث ثم أنشأ بينهما تربة وصار يكثر الأفضال على طلبة العلم والطلبة تقصده من البلاد لثلاث اجتمعن فيه العلم والمال والجاه وهو لا يبخل بشيء منها وطعن في السن واستولت عليه البرودات والضعف فكان يتمثل بقول الشاعر

من يتمن العمر فليدرع ** صبرا على فقد أحبائه

ومن يعمر يلق في نفسه ** ما يتمناه لأعدائه

وقدم مصر رسولا غير مرة

وقد أطال ابن خلكان في ترجمته وقال إنه توفي بحلب يوم الأربعاء رابع عشر صفر سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ودفن بتربته

قيد ابن شداد في كتاب دلائل الأحكام قول الأصحاب إن السلطان أولى بالإمامة من صاحب المنزل وإمام المسجد بالجمعات والأعياد لتعلق هذه الأمور بالسلاطين قال وأما بقية الصلوات فأعلمهم أولى بالإمامة إلا أن تجمع الخصال المذكورة في الإمام فيكون حينئذ أولى ولعله أخذه من كلام الخطابي

1258 يوسف بن عبد الله بن إبراهيم أبو الحجاج الدمشقي وجيه الدين الوجيزي

أحد الأئمة من مشايخ القاهرة نسب إلى كتاب الوجيز لحفظه إياه

1259 يوسف بن شيخ الشيوخ صدر الدين أبي الحسن محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حمويه

الأمير الكبير الوزير مقدم جيوش الإسلام الصالحية فخر الدين أبو الفضل الجويني أحد من دان له العباد والبلاد

ولد بدمشق سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة وسمع منصور بن أبي الحسن الطبري ومحمد بن يوسف الغزنوي وغيرهما وحدث

وكان رئيسا عاقلا مدبرا سمح اليدين بالأموال محببا إلى الناس حبسه السلطان نجم الدين ثلاث سنين وقاسى ضرا وشدائد وكان لا ينام من العمل ثم أخرجه وأنعم عليه وجعله نائب السلطنة فلما توفي السلطان سئل فخر الدين على أن يتسلطن فلم يفعل ولو أجاب لتم له الأمر

وقيل إنه قدم دمشق مع السلطان فنزل دار أسامة فدخل عليه العماد النحاس فقال له يا فخر الدين إلى كم ما بقي بعد اليوم شيءٌ فقال يا عماد الدين والله لأسبقنك إلى الجنة فصدق إن شاء الله قوله واستشهد على يد الإفرنج يوم وقعة المنصورة

وقيل إن فخر الدين أنفق مرة في العسكر مائتي ألف دينار وكان يركب بالشاويشية وكان في الحقيقة هو السلطان يقف على بابه ويركب في خدمته سبعون أميرا غير مماليكه وخدمه وأبطل كثيرا من المكوس وجرت على يده خيراتٌ حسان

ثم اتفق مجيء الإفرنج وانقطاع المسلمين بين أيديهم منهزمين فركب فخر الدين وقت السحر ليكشف الخبر وأرسل النقباء إلى الجيش وساق في طلبه فصادف العدو فحملوا عليه فانهزم أصحابه وطعن هو فسقط وقتل ونهب غلمانه ماله وضرب بالسيف في وجهه ضربتين وكان قد بنى دارا فاخرة بالمنصورة فخربت من يومها

وكان قتله يوم رابع ذي القعدة سنة سبع وأربعين وستمائة

ومن شعره

إذا تحققتم ما عند صاحبكم ** من الغرام فذاك القدر يكفيه

أنتم سكنتم فؤادي وهو منزلكم ** وصاحب البيت أدرى بالذي فيه

1260 يوسف بن يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى

قاضي القضاة بهاء الدين ابن الزكي أبو افضل

ولد في ذي الحجة سنة أربعين وستمائة وكان فقيها فاضلا مفتيا متوقد الذهن سريع الحافظة مناضرا محجاجا

أخذ العلوم عن القاضي كمال الدين التفليسي وعن والده قيل وكان أفضل من أبيه

وسمع الحديث بمصر من ابن رواج وابن الجميزي وبدمشق من إبراهيم ابن خليل وجماعة

سمع منه الحافظ علم الدين البرزالي وغيره وولي قضاء دمشق بعد ابن الصائغ سنة اثنتين وثمانين واستمر حاكما إلى أن مات في حادي عشر ذي الحجة سنة خمس وثمانين وستمائة عن خمس وأربعين سنة

1261 يونس بن بدران بن فيروز بن صاعد الجمال المصري

هو قاضي القضاة بالشام جمال الدين الشيبي الحجازي المليجي المعروف بالجمال المصري

سمع من السلفي وغيره واختصر الأم للشافعي وصنف في الفرائض

توفي في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وستمائة

1262 المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني العلامة مجد الدين أبو السعادات الجزري ابن الأثير

صاحب جامع الأصول وغريب الحديث وشرح مسند الشافعي وغير ذلك

ولد بجزيرة ابن عمر سنة أربع وأربعين وخمسمائة ونشأ بها ثم انتقل إلى الموصل فسمع من يحيى بن سعدون القرطبي وخطيب الموصل الطوسي وسمع ببغداد من ابن كليب

روى عنه ولده والشهاب القوصي وجماعة وآخر من روى عنه بالإجازة فخر الدين ابن البخاري

واتصل بخدمة الأمير الكبير مجاهد الدين قايماز إلى أن مات فاتصل بخدمة صاحب الموصل عز الدين مسعود وولي ديوان الإنشاء

وله ديوان رسائل ومن تصانيفه غير ما ذكرناه كتاب الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف تفسيري الثعلبي والزمخشري والمصطفى المختار في الأدعية والأذكار والبديع في شرح فصول ابن الدهان في النحو والفروق والأبنية وكتاب الأذواء والذوات وشرح غريب الطوال

وكان بارعا في الترسل وحصل له مرضٌ مزمن أبطل يديه ورجليه وعجز عن الكتابة وأقام بداره وأنشأ رباطا بقرية من قرى الموصل ووقف أملاكه عليه وكان فاضلا رئيسا مشارا إليه

توفي سنة ست وستمائة

1263 المبارك بن يحيى بن أبي الحسن بن أبي القاسم المصري الشيخ نصير الدين بن الطباخ

ولد في خامس عشر ذي القعدة سنة سبع وثمانين وخمسمائة وكان بارعا في الفقه مشهور الاسم فيه

درس بالمدرسة القطبية بالبندقانيين بالقاهرة وأعاد عند شيخ الإسلام عز الدين ابن عبد السلام بالمدرسة الصالحية

وكان ذكي القريحة حاد الذهن كثير الاعتناء بكتاب التنبيه نوزع مرة في مسألة وقيل له ليست هذه في التنيبه فغضب وقال ما من مسألة إلا وهي في التنبيه فقيل له أين في التنبيه إن لكل جرية حكما في الماء الجارى فقال في قوله في الطلاق وإن قال لها وهي في ماء جار إن خرجت من هذا الماء فأنت طالقٌ وإن أقمت فيه فأنت طالق خرجت أو أقامت فقد جعل لكل جرية حكما

مات في القاهرة في حادى عشر جمادى الآخرة سنة سبع وستين وستمائة

1264 محمود بن أحمد بن محمد أبو الفضل الأردبيلي

كان فقيها أصوليا

قدم بغداد ودرس بالمدرسة الكمالية وسقط في بئر في داره فهلك سنة خمس وعشرين وستمائة

1265 محمود بن أحمد بن محمود

أبو المناقب الزنجاني

استوطن بغداد

قال ابن النجار وبرع في المذهب والخلاف والأصول ودرس بالنظامية وعزل ودرس بالمستنصرية وصنف تفسير القرآن وحدث عن الإمام الناصر لدين الله بالإجازة

قال شيخنا الذهبي استشهد في كائنة بغداد سنة ست وخمسين وستمائة

1266 محمود بن عبد الله بن عبد الرحمن الشيخ برهان الدين أبو الثناء المراغي

مدرس الفلكية بدمشق

ولد سنة خمس وستمائة وسمع بحلب من أبي القاسم بن رواحة والقاضي زين الدين بن الأستاذ وغيرهما

روى عنه شيخنا المزي وابن العطار والشيخ علم الدين البرزالي وطائفة

وكان فقيها أصوليا مناظرا محققا صالحا زاهدا متعبدا عرض عليه قضاء القضاة قامتنع وعرضت عليه مشيخة الشيوخ فامتنع وكانت له حلقة بالجامع الأموي يشتغل فيها

توفي في ثالث عشرى ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين وستمائة

ومن فتاويه في امرأة أشهدت على نفسها أن هذا الرجل ابن عمي وصدقها أن العصوبة تثبت ويرثها إذا ماتت نقله الشيخ برهان الدين ابن الفركاح في تعليقه في باب الإقرار وهي مسألة تعم بها البلوى لا سيما إذا كان المقر له غائبا فكثيرا ما يقر مريضٌ بأن له وارثا غائبا إما ابن عم أو نحوه فيضع وكيل بيت المال يده مدعيا أن بيت المال لا يندفع بهذا القول وقد أفتى الشيخ تاج الدين ابن الفركاح وكيل بيت المال بذلك على تلوم وتوقف عنده وعند ولده الشيخ شهاب الدين فيه وأما أنا فلا وقفة عندى فيه والصواب عندي اندفاع بيت المال بهذا الإقرار وحفظ هذا المال بمجرد هذا الإقرار حتى يحضر الغائب أو يثبت خلاف ما قاله المريض وقد أشبعنا الكلام على هذه المسألة وقلنا إن في كلام القاضي الحسين وشيخه القفال وفي فتاوى ابن الصباغ ما يرشد إلى ما ذكرناه

1267 محمود بن عبيد الله بن أحمد بن عبد الله أبو المحامد ظهير الدين الزنجاني الفقيه الصوفي الزاهد

قال شيخنا الذهبي ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة ظنا وسمع الشيخ شهاب الدين السهروردي وصحبه مدة وأبا المعالى صاعد بن علي الواعظ والمحدث ابن أبي المعمر بدلا التبريزي وجماعة

حدث عنه أبو الحسن بن العطار وغيره وأجاز لشيخنا الذهبي وحدث بكتاب العوارف عن المصنف وكان إماما بالتقوية وأكثر نهاره بها ومبيته بالسميساطية

مات في شهر رمضان سنة أربع وسبعين وستمائة

1268 محمود بن أبي بكر بن أحمد الأرموي الشيخ سراج الدين أبو الثناء

صاحب التحصيل مختصر المحصول في أصول الفقه واللباب مختصرالأربعين في أصول الدين والبيان والمطالع في المنطق وغير ذلك وقيل إنه شرح الوجيز في الفقه

قرأ بالموصل علي كمال الدين بن يونس

مولده في سنة أربع وتسعين وخمسمائة وتوفي في سنة اثنتين وثمانين وستمائة بمدينة قونية

1269 مشرف بن علي بن أبي جعفر بن كامل أبو العز الخالصي المقرىء الضرير

قال شيخنا الذهبي ولد تقريبا سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وقدم بغداد فحفظ بها القرآن وتفقه بالنظامية وقرأ القراءات وسمع من أبي الكرم وأبي الوقت وأحمد بن محمد بن الدباس وغيرهم

روى عنه ابن الدبيثى والبرزالي وغيرهما

توفي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان عشرة وستمائة

والخالص الذي ينسب إليه اسم ناحية ونهر شرقي بغداد

1270 مظفر بن عبد الله بن علي بن الحسين الإمام تقي الدين المصري المقترح

والمقترح لقب عليه

كان إماما في الفقه والخلاف وأصول الدين نظارا على قهر الخصوم وإزهاقهم إلى الانقطاع

صنف التصانيف الكثيرة وتخرج به خلقٌ

قال الحافظ عبد العظيم سمع بالإسكندرية من أبي الطاهر بن عوف وسمعت منه وحدث بمكة ومصر وكان كثير الإفادة منتصبا لمن يقرأ عليه كثير التواضع حسن الأخلاق جميل العشرة دينا متورعا

ولى التدريس بالمدرسة المعروفة بالسلفى بالإسكندرية مدة وتوجه إلى مكة فأشيعت وفاته وأخذت المدرسة فعاد ولم يتفق عوده إليها فأقام بجامع مصر يقرىء واجتمع عليه جماعة كثيرة ودرس بمدرسة الشريف ابن ثعلب وتوفي في شعبان سنة اثنتى عشرة وستمائة

1271 المظفر بن عبد الله بن أبي منصور

الشريف أبو منصور الهاشمي العباسي الواعظ المعروف بالشريف العباسي ولد بإربل

سمع ببغداد من ذاكر بن كامل وغيره وحدث بمصر ودمشق

قال الحافظ عبد العظيم توفي في شوال سنة أربع وثلاثين وستمائة

1272 المظفر بن أبي محمد ويقال بل أبي الخير بن إسماعيل بن علي الواراني الشيخ أمين الدين التبريزي

صاحب المختصر المشهور في الفقه يكنى أبا الخير وقيل أبا الأسعد ومن تصانيفه أيضا التنقيح اختصر فيه المحصول في أصول القفه وله سمط المسائل في القفه في مجلدين وأكثر

ولد سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وكان من أجل مشايخ العلم في ديار مصر فقيها أصوليا عابدا زاهدا كثير العبادة إماما مناظرا مبرزا

تفقه ببغداد على أبي القاسم بن فضلان وأعاد بالمدرسة النظامية وأفتى وناظر وسمع الحديث من أبي الفرج بن كليب وأبي أحمد بن سكينة

قال ابن النجار وانتخب بخطه وقرأ كثيرا من الكتب الكبار

قلت روى عنه الحافظ زكي الدين المنذري وغيره

وحج الشيخ أمين الدين من بغداد ثم قدم مصر ودرس بها بالمدرسة الناصرية المجاورة للجامه العتيق واستوطنها دهرا طويلا يفتى ويفيد ثم سافر إلى العراق ومن العراق إلى شيراز ومات بها في ذى الحجة سنة إحدى وعشرين وستمائة

1273 المعافي بن إسماعيل بن أبي الحسين بن أبي السنان القفيه أبو محمد بن الحدوس

بفتح الحاء والدال المهملتين وإسكان الواو ثم سين مهملة

له كتاب الكامل في الفقه وكتاب الموجز في الذكر وكتاب أنس المنقطعين وغير ذلك من المصنفات

ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وسمع من أبي الربيع سليمان بن خميس ومسلم بن علي السيحي

روى عنه الزكي البرزالي والمجد بن العديم والخضر بن عبدان الكاتب وغيرهم

وكان إماما عارفا بالمذهب كثير العبادة درس وأفتى وناظر

توفي في رمضان أو شعبان سنة ثلاثين وستمائة

وفي كتابه الكامل أنه يكره الاستياك بالمبرد

1274 مفرج بن المبارك أبو الفضل القاضي يعرف بابن العطار

من أهل واسط

تفقه على أبي جعفر بن البوقي وأفتى وكان نزها خيرا

ولد في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة ومات في حادي عشرى شعبان سنة إحدى وستمائة

1275 منصور بن سليم بن منصور بن فتوح المحدث وجيه الدين أبو المظفر الهمداني الإسكندراني

محتسب الإسكندرية

ولد في ثامن صفر سنة سبع وستمائة وسمع من محمد بن عماد الحراني وجعفر الهمداني وابن رواج وجماعة من أصحاب السلفي وببغداد من ابن روزبة والقطيعي وأبي بكر الخازن وجماعة من أصحاب شهدة وبمصر من مرتضى بن أبي الجود وعلي بن عمار وغيرهما وبدمشق من ابن اللتي ومكرم وجماعة وبحلب من ابن خليل وغيره وبغير ذلك من البلدان من جماعات

كتب عنه الحافظ الدمياطي والشريف عز الدين وجماعة ودرس بالإسكندرية وخرج وانتقى وعني بفنون الحديث وجمع المعجم لنفسه وخرج الأربعين وصنف تاريخا للإسكندرية في مجلدين

توفي ليلة الحادي والعشرين من شوال سنة ثلاث وسبعين وستمائة رحمه الله

1276 موسى بن علي بن وهب بن مطيع القشيري القوصي

الشيخ سراج الدين ابن الشيخ مجد الدين وأخو شيخ الإسلام تقي الدين

ولد بقوص سنة إحدى وأربعين وستمائة وسمع الحديث من أصحاب السلفي وحدث

سمع منه شيخنا أبو حيان النحوي

وكان فقيها جيدا ذكي القريحة تصدى بقوص لنشر العلم والفتيا

وصنف في الفقه كتاب سماه المغني وهذا الكتاب هو الذي نقل عنه ابن الرفعة فيما إذا نوى المتيمم بتيممه استباحة الفرض والنفل أن سراج الدين ابن دقيق العيد قال ‏:‏ يستبيحهما على أصح الوجهين والمعروف في المذهب أنه يستبيحهما بلا خلاف قاله النووي وقال الإمام إن الطرق اتفقت عليه

قال ابن لرفعة وقضية ما نقله سراج الدين أن الوجه الآخر أنه لا يستبيحهما بل أحدهما وقول الغزالي فالصحيح جوازهما لا ينافي دعوى الإمام اتفاق الطرق على جوازهما إذ مقابل الصحيح في كلامه أنه لا بد من تعين الفريضة والمعنى فالصحيح جوازهما وإن لم يعين الفريضة وكلام ابن دقيق العيد يجوز أن يؤول بمثل ما أول به كلام الغزالي

ومن شعر سراج الدين

وحقك ما أعرضت عنك ملالة ** ولا أنا مما تعلمين مفيق

ولكن خشيت الكاشحين لأنني ** على سرنا من أن يذاع شفيق

فأصبحت كالظمآن شاهد مشربا ** قريبا ولكن ما إليه طريق

مات بقوص سنة خمس وثمانين وستمائة

1277 موسى بن محمد بن موسى بن حمود الماكسيني

1278 موسى بن أبي الفضل يونس بن محمد بن منعة

الشيخ العلامة كمال الدين ابن يونس أبو الفتح الموصلي

والد شارح التنبيه الشيخ شرف الدين أحمد بن موسى

ولد في صفر سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بالموصل وتفقه على والده الشيخ رضي الدين يونس ثم توجه إلى بغداد فتفقه بالمدرسة النظامية على معيدها السديد السلماسي وقرأ العربية بالموصل على الإمام يحيى بن سعدون وببغداد على الكمال عبد الرحمن الأنباري ثم عاد إلى الموصل مقيما بها

وكان رجلا متبحرا في كثير من فنون العلم موصوفا بالذكاء المفرط إليه مرجع أهل الموصل وما والاها في الفتاوى وأصحابه يعظمونه كثيرا

وقد ذكره ابن خلكان في الوفيات وقال إنه درس بعد وفاة والده في موضعه بالمسجد المعروف بالأمير زين الدين صاحب إربل قال وهذا المسجد يعرف الآن بالمدرسة الكمالية لأنه نسب إلى كمال الدين المذكور لطول إقامته به ولما اشتهر فضله انثال عليه الفقهاء وتبحر في جميع فنون العلم وجمع من العلوم ما لم يجمعه أحد

وتفرد بعلم الرياضة ولقد رأيته بالموصل في شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة وترددت إليه دفيعات عديدة لما كان بينه وبين الوالد رحمه الله من المؤانسة والمودة الأكيدة ولم يتفق لي الأخذ عنه لعدم الإقامة وسرعة الحركة إلى الشام

وكان الفقهاء يقولون إنه يدري أربعة وعشرين فنا دراية متقنة فمن ذلك المذهب وكان فيه أوحد الزمان وكان جماعة من الطائفة الحنفية يشتغلون عليه بمذهبهم ويحل مسائل الجامع الكبير أحسن حل مع ما يجيء عليه من الإشكال المشهور

وكان يتقن فن الخلاف والتجاري وأصول الفقه وأصول الدين ولما وصلت كتب فخر الدين الرازي للموصل وكان بها إذ ذاك جماعة من الفضلاء لم يفهم أحد منهم اصطلاحه فيها سواه وكذلك الإرشاد للعميدي لما وقف عليها حلها في ليلة واحدة وأقرأها على ما قالوا

وكان يدري فن الحكمة والمنطق والطبيعى والإلهي وكذلك الطب ويعرف فنون الرياضة من اقليدس والهيئة والمخروطات والمتوسطات والمجسطي وهي لفظة يونانية معناها بالعربية الترتيب ذكر ذلك أبو بكر في كتابه وأنواع الحساب المفتوح منه والجبر والمقابلة والأرثماطيقي وطريق الخطأين والموسيقى والمساحة معرفة لا يشاركه فيها غيره إلا في ظواهر هذه العلوم دون دقائقها والوقوف على حقائقها وبالجملة فلقد كان كما قال الشاعر

وكان من العلوم بحيث يقضى ** له في كل علم بالجميع

واستخرج في علم الأوفاق طرقا لم يهتد إليها أحد وكان يبحث في العربية والتصريف بحثا تاما مستوفى حتى إنه كان يقرئ كتاب سيبويه والإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي والمفصل للزمخشري وكان له في التفسير والحديث وأسماء الرجال وما يتعلق به يد جيدة

وكان يحفظ من التواريخ وأيام العرب ووقائعهم والأشعار والمحاضرات شيئا كثيرا

وكان أهل الذمة يقرأون عليه التوراة والإنجيل ويشرح لهما هذين الكتابين شرحا يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله وكان في كل فن من هذه الفنون كأنه لا يعرف سواه لقوته فيه

وبالجملة فإن مجموع ما كان يعلمه من الفنون لم نسمع عن أحد ممن تقدمه أنه كان قد جمعه

ولقد جاءنا الشيخ أثير الدين المفضل بن عمر بن المفضل الأبهري صاحب التعليقة في الخلاف والزيج والتصانيف المشهورة من الموصل إلى إربل في سنة ست وعشرين وستمائة وقبلها في سنة خمس وعشرين ونزل بدار الحديث وكنت أشتغل عليه بشيء من الخلاف فبينما أنا يوما عنده إذ دخل عليه بعض فقهاء بغداد وكان فاضلا فتجاريا في الحديث زمانا وجرى ذكر الشيخ كمال الدين في أثناء الحديث فقال له الأثير لما حج الشيخ كمال الدين ودخل بغداد كنت هناك فقال نعم فقال كيف كان إقبال الديون العزيز عليه فقال ذاك الفقيه ما أنصفوه على قدر استحقاقه فقال الأثير ما هذا إلا عجب والله ما دخل بغداد مثل الشيخ فاستعظمت منه هذا الكلام وقلت يا سيدنا كيف تقول كذا فقال يا ولدي ما دخل بغداد مثل أبي حامد الغزالي والله ما بينه وبين الشيخ نسبة

وكان الأثير على جلالة قدره في العلوم يأخذ الكتاب ويجلس بين يديه يقرأ عليه والناس يوم ذلك يشتغلون في تصانيف الأثير ولقد شهدت هذا بعيني وهو يقرأ عليه كتاب المجسطي

ولقد حكى بعض الفقهاء أنه سأل الشيخ كمال الدين عن الأثير ومنزلته في العلوم فقال ما أعلم فقال وكيف هذا يا مولانا وهو في خدمتك منذ سنين عديدة يشتغل عليك فقال لأنني مهما قلت له تلقاه بالقبول وقال نعم يا مولانا فما جادلني في مبحث قط حتى أعلم حقيقة فضلة

ولا شك أنه كان يعتمد هذا القدر مع الشيخ تأدبا وكان معيدا عنده في المدرسة البدرية وكان يقول ما تركت بلادي وقصدت الموصل إلا للاشتغال على الشيخ

وكان شيخنا تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح المتقدم ذكره يبالغ في الثناء على فضائله وتعظيم شأنه وتوحده في العلوم فذكره يوما وشرع في وصفه على عادته فقال له بعض الحاضرين يا سيدنا على من اشتغل ومن كان شيخه فقال هذا الرجل خلقه الله إماما عالما في فنونه لايقال على من اشتغل ولا من كان شيخه فإنه أكبر من هذا

وحكى لي بعض الفقهاء بالموصل أن ابن الصلاح المذكور سأله أن يقرأ عليه شيئا من المنطق سرا فأجابه إلى ذلك وتردد إليه مدة فلم يفتح عليه بشيء فقال له يا فقيه المصلحة عندي أن تترك الاشتغال بهذا الفن فقال له ولم ذلك يا مولانا فقال لأن الناس يعتقدون فيك الخير وهم ينسبون كل من اشتغل بهذا الفن إلى فساد الاعتقاد فكأنك تفسد عقائدهم فيك ولا يحصل لك من هذا الفن شيء فقبل إشارته وترك قراءته

ومن يقف على هذه الترجمة فلا ينسبني إلى المغالاة في حق الشيخ ومن كان من أهل تلك البلاد وعرف ما كان عليه الشيخ عرف أني ما أعرته وصفا ونعوذ من الغلو والتساهل في النقل

وقد ذكره أبو البركات ابن المستوفي المتقدم ذكره في تاريخ إربل فقال هو عالم مقدم ضرب في كل علم وهو في علم الأوائل كالهندسة والمنطق وغيرهما ممن يشار إليه حل اقليدس والمجسطي على الشيخ شرف الدين المظفر بن محمد بن المظفر الطوسي الفارابي يعني صاحب الاسطرلاب الخطي المعروف بالعصا

قال ابن المستوفي ووردت عليه مسائل من بغداد في مشكلات هذا العلم فحلها واستصغرها ونبه على براهينها بعد أن احتقرها وهو في الفقه والعلوم الإسلامية نسيج وحده ودرس في عدة مدارس بالموصل وتخرج عليه خلق كثير في كل فن

ثم قال أنشدنا لنفسه وأنفذها إلى صاحب الموصل يشفع عنده

لئن شرفت أرض بمالك رقها ** فمملكة الدنيا بكم تتشرف

ومكنت من حفظ البسيطة مثل ما ** تمكن في أمصار فرعون يوسف

بقيت بقاء الدهر أمرك نافذ ** وسعيك مشهور وحكمك منصف

قلت أنا ولقد أنشدني هذه الأبيات عنه أحد أصحابه بمدينة حلب وكنت بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وبها رجل فاضل في علوم الرياضة فأشكل عليه مواضع من مسائل الحساب والجبر والمقابلة والمساحة واقليدس فكتب جميعها في درج وسيرها إلى الموصل ثم بعد أشهر عاد جوابه وقد كشف عن خفيها وأوضح غامضها وذكر ما يعجز الإنسان عن وصفه ثم كتب في آخر الجواب فليمهد العذر في التقصير في الأجوبة فإن القريحة جامدة والفطنة خامدة قد استولى عليها كثيرة النسيان وشغلها حوادث الزمان وكثير مما استخرجناه وعرفناه نسيناه بحيث صرنا كأنا ما عرفناه

وقال لي صاحب المسائل المذكورة ما سمعت مثل هذا الكلام إلا للأوائل المتقنين لهذه العلوم ما هذا من كلام أبناء هذا الزمان

وحكى لي الشيخ الفقيه الرياضي علم الدين قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني بن مسافر الحنفي المقرئ المعروف بتعاسيف وكان إماما في علوم الرياضة قال لما أتقنت علوم الرياضة بالديار المصرية وبدمشق تاقت نفسي إلى الاجتماع بالشيخ كمال الدين لما كنت أسمع من تفرده بهذه العلوم فسافرت إلى الموصل قصدا للاجتماع فلما حضرت في مجلسه وخدمته وجدته على حلية الحكماء المتقدمين وكنت قد طالعت أخبارهم وحلاهم فسلمت عليه وعرفته قصدي له للقراءة عليه فقال لي في أي العلوم تريد تشرع فقلت في الموسيقى فقال مصلحة هو فلي زمان ما قرأه علي أحد فأنا أوثر مذاكرته وتجديد العهد به فشرعت فيه ثم في غيره حتى شققت عليه أكثر من أربعين كتابا في مقدار ستة أشهر وكنت عارفا بهذا الفن لكن كان غرضي الانتساب في القراءة إليه وكان إذا لم أعرف المسألة أوضحها لي وما كنت أجد من يقوم مقامه في ذلك

وقد أطلت الشرح في نشر علومه ولعمري لقد اختصرت

ولما توفي أخوه الشيخ عماد الدين محمد المتقدم ذكره تولى الشيخ المدرسة العلائية موضع أخيه ولما فتحت المدرسة القاهرية تولاها ثم تولى المدرسة البدرية في ذي الحجة سنة عشرين وستمائة وكان مواظبا على إلقاء الدروس والإفادة

وحضر في بعض الأيام دروسه جماعة من المدرسين أرباب الطيالس وكان العماد أبو علي عمر بن عبد النور بن يوسف الصنهاجي النحوي البجائي حاضرا فأنشد على البديهة

كمال كمال الدين للعلم والعلى ** فهيهات ساع في مساعيك يطمع

إذا اجتمع النظار في كل موطن ** فغاية كل أن تقول ويسمعوا

فلا تحسبوهم من غناء تطيلسوا ** ولكن حياء واعترافا تقنعوا

وللعماد المذكور فيه أيضا

تجر الموصل الأذيال فخرا ** على كل المنازل والرسوم

بدجلة والكمال هما شفاء ** لهيم أو لذي فهم سقيم

فذا بحر تدفق وهو عذب ** وذا بحر ولكن من علوم

وكان الشيخ سامح الله يتهم في دينه لكون العلوم العقلية غالبة عليه وكانت تعتريه غفلة في بعض الأحيان لاستيلاء الفكرة عليه بسبب هذه العلوم فعمل فيه العماد المذكور

أجدك أن قد جاد بعد التعبس ** غزال بوصل لي وأصبح مؤنسي

وأعطيته صهباء من فيه مزجها ** كرقة شعري أو كدين ابن يونس

انتهى كلام ابن خلكان

ورأيت بخط الشيخ كمال الدين بن يونس على الجزء الأول من اقليدس إصلاح ثابت بن قرة ما نصه قرأت على الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع شرف الدين فخر العلماء تاج الحكماء أبي المظفر أدام الله أيامه بعد عوده من طوس هذا الجزء وكنت حللته عليه نفسي مع كتاب المجسطي وشيء من المخروطات واستنجزته ما كان وعدنا به من كتاب الشكوك فأحضره واستنسخته وكتبه موسى بن يونس بن محمد بن منعة في تاريخه هذا صورة خطه وتاريخ الكتاب المشار إليه تاسع عشر ربيع الأول سنة ست وسبعين وخمسمائة هجرية

1279 موهوب بن عمر بن موهوب بن إبراهيم الجزري القاضي صدر الدين

مولده بالجزيرة في جمادى الآخرة سنة سبعين وخمسمائة وقدم الشام وتفقه على شيخ الإسلام عز الدين ابن عبد السلام وقرأ على السخاوي

وكان فقيها بارعا أصوليا أديبا قدم الديار المصرية وولي بها القضاء وسار سيرة مرضية ويقال إن الصاحب بهاء الدين كان يحط عليه فرأى قاضي القضاة صدر الدين رسول الله في النوم وهو يقول له قل للصاحب بهاء الدين بأمارة ما استشفعت بي في قضية كذا لا تتعرض لي فحكاه له فقال نعم كذا جرى ثم ترك التعرض له وأحسن إليه

توفي بالقاهرة فجأة في تاسع رجب سنة خمس وستين وستمائة

1280 نجم بن أبي الفرج بن سالم الكناني المصري

ولد سنة تسع وخمسين وخمسمائة وسمع من عبد الله بن بري النحوي وصحبه مدة ومن عشير بن علي المزارع وفارس بن تركي الضرير

روى عنه الحافظ زكي الدين المنذري وغيره

وكان فقيها حسنا من أهل الخير والعفاف تصدر بالجامع العتيق بمصر مدة وأعاد بالمدرسة السيفية وجمع مجاميع في الفقه وغيره

توفي في شهر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وستمائة

1281 نصر بن عقيل بن نصر بن عقيل بن نصر أبو القاسم الإربلي

تفقه بإربل على عمه أبي العباس الخضر ثم توجه إلى بغداد فتفقه بالنظامية على الأمير أبي نصر بن نظام الملك ثم عاد إلى إربل ودرس بها وأفتى ثم قدم الموصل ومات بها رابع عشر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وستمائة

1282 نصر بن محمد بن مقلد أبو الفتح القضاعي الشيرازي الملقب بالمرتضى

من علماء الديار المصرية

تفقه على أبي حامد محمد بن محمد البروى وأبي سعد عبد الله بن أبي عصرون وسمع بدمشق من الحافظ ابن عساكر وسكن مصر ودرس بقبة الشافعي ولم تقيد وفاته

1283 نصر الله بن يوسف بن مكي بن علي

الفقيه أبو الفتح بن الفقيه أبي الحجاج الحارثي الدمشقي المعروف بابن الإمام

تفقه على والده وعلى أبي البركات الخضر بن شبل بن عبد وسمع من أبي الفتح نصر الله المصيصي وهبة الله بن طاوس ورحل فسمع ببغداد من أبي الوقت وغيره وأجاز له أبو عبد الله الفراوي وزاهر بن طاهر وغيرهما

وكان يدعى نصرا غير مضاف أيضا

روى عنه يوسف بن خليل الدمشقي والزين خالد والتقي اليلداني وأجاز للمنذري ولأبي العباس بن أبي الخير

توفي بدمشق في منتصف جمادى الآخرة سنة إحدى وستمائة

1284 هبة الله بن عبد الله بن سيد الكل القاضي أبو القاسم بهاء الدين القفطي

أحد المشاهير من علماء الصعيد

كان إماما عالما عاملا

وقد اختلف في مولده فقيل سنة سبع وتسعين وخمسمائة وقيل سنة ستمائة وقيل سنة إحدى وستمائة ولعله الأقرب

قدم قوص فتفقه على الشيخ مجد الدين القشيري وقرأ الأصول على قاضيها الإمام شمس الدين الأصبهاني وبرع في الفقه والأصلين والنحو والفرائض والجبر والمقابلة وسمع الحديث من الفقيه أبي الحسن علي بن هبة الله بن سلامة والشيخ مجد الدين القشيري وغيرهما

حدث عنه طلحة بن شيخ الإسلام تقي الدين القشيري وغيره

وكان قيما بالمدرسة النجيبية بقوص مع براعة في العلم وكان يعلق القناديل والطلبة تقرأ عليه ثم انتهت إليه رياسة المذهب وولي أمانة الحكم بقوص

واتفق أنه عمل حساب الأيتام فوقف عليه ثمانمائة درهم فلم يعرف وجه المصروف فبات على أنه يبيع منزلة ويغرم ثمنه في ذلك فقال له أحد الشهود الذين معه النقدة الفلانية فتذكرها ثم قصد التنصل من المباشرة فقيل له متى تنصلت لم تجب ولكن اجتمع بفلان وقل له إن القاضي فيما بلغني يريد عزلي وأظهر التألم من ذلك واسأله الحديث معه في الاستمرار ففعل فقال القاضي قد أورثني هذا الحرص ريبة فعزله ثم توجه إلى إسنا حاكما ومعيدا بالمدرسة العزية عند النجيب ابن مفلح أحد تلامذة القشيري أيضا ثم مات النجيب فأضيف إليه التدريس فصار حاكما مدرسا

ونشر السنة بإسنا بعد ما كان التشيع بها فاشيا وصنف كتابا في ذلك سماه النصائح المفترضة في فضائح الرفضة وهموا بقتله فحماه الله تعالى منهم وتاب على يده خلق

وأخذ العلم عنه خلق كثير منهم شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد والشيخ الضياء بن عبد الرحيم

وصنف في التفسير كتاب وصل فيه إلى سورة كهيعص وله شرح الهادي في الفقه خمس مجلدات ثم شرح عمدة الطبري وشرح مختصر أبي شجاع وشرح مقدمة المطرزي في النحو وكتاب الأنباء المستطابة في فضائل الصحابة والقرابة وغير ذلك

وكان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد يجله وسافر إلى الصعيد سنة تسعين وستمائة لمجرد زيارته ومما حفظ من عبارته لولا البهاء بالصعيد لتحرج أهله بسبب الفتيا

وعن الشيخ بهاء الدين أعرف عشرين علما أنسيت بعضها لعدم المذاكرة

وكان يستوعب الزمان في العبادة والعلم والحكومة ثم ترك القضاء أخيرا واستمر على العبادة والعلم إلى أن توفي ورأى راء في منامه قائلا يقول له لقد مات الشافعي فانتبه فإذا بقائل يقول مات الشيخ بهاء الدين القفطي

ومناقبه كثيرة وبالجملة كان من رجال العلم والدين

توفي بإسنا سنة سبع وتسعين وستمائة فعلى القول بأن مولده سنة سبع وتسعين وخمسمائة يكون من أهل المائة

1285 هبة الله بن علي بن أبي الفضل بن سهل أبو جعفر الواسطي

تفقه على أبي جعفر بن البوقي ومات في حدود سنة إحدى وستمائة

1286 همام بضم الهاء بن راجى الله بن سرايا بن ناصر بن داود

الفقيه الأصولي جلال الدين أبو العزائم المصري

إمام الجامع الصالحي بظاهر القاهرة وخطيبه

ولد ببلاد الصعيد سنة تسع وخمسين وخمسمائة وقدم القاهرة وقرأ العربية على ابن بري وارتحل إلى العراق فتفقه على المجير البغدادي وابن فضلان وسمع من عبد المنعم بن كليب وغيره

روى عنه ابن النجار والحافظ زكي الدين المنذري وغيرهما

وله مصنفات في المذهب والأصول وتوفي في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وستمائة

وله شعر كثير وله من قصيدة

ياقوت ثغرك قد غدا متقمعا ** بزمرد لما توشح جوهرا

وحباب ريقك كالنجوم إذا بدت ** من شأنها ماء الحيا أن يقطرا

1287 يحيى بن الربيع بن سليمان بن حراز بن سليمان العدوي العمري الإمام فخر الدين أبو علي الواسطي ابن الفقيه أبي الفضل

ولد بواسط في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وقدم بغداد فتفقه بالنظامية على مدرسها الإمام أبي النجيب السهروردي وكان قد تفقه قبله على والده وعلى أبي جعفر بن البوقي ثم رحل إلى نيسابور فتفقه على الإمام محمد بن يحيى صاحب الغزالي ومكث عنده أكثر من سنتين

وسمع الكثير من أبي الكرم نصر الله بن مخلد بن الجلخت وعبد الخالق اليوسفي وابن ناصر وأبي الوقت وشيخه محمد بن يحيى وعبد الله بن الفراوي وعبد الخالق بن زاهر وغيرهم بواسط وبغداد ونيسابور وله إجازة من زاهر الشحامي وحدث بالكثير ببغداد وبهراة وبغزنة لما توجه إليها رسولا من الديوان العزيز

روى عنه ابن الدبيثي والضياء المقدسي وابن خليل وآخرون

وولي تدريس النظامية وكانت بينه وبين ابن فضلان صحبة أكيدة قال الموفق عبد اللطيف لم أر مثلها بين اثنين قط وترافقا في الرحلة إلى محمد بن يحيى وكانا يتناظران بين يديه

قال ابن الدبيثي كان يعني ابن الربيع ثقة صحيح السماع عالما بمذهب الشافعي وبالخلاف من الحديث والتفسير كثير الفنون قرأ بالعشر على ابن تركان وكان أبوه من الصالحين ويقال إنهم من ولد عمر بن الخطاب رضى الله عنه

وقال أبو شامة كان عالما عارفا بالتفسير والمذهب والأصولين والخلاف دينا صدوقا

وقال ابن النجار كان إماما كبيرا وقورا نبيلا حسن المعرفة بمذهب الشافعي محققا مدققا مليح الكلام في المناظرة والجدل مجودا في علم الأصول وعلم الكلام والحساب وقسمة التركات وله معرفة حسنة بالحديث انتهى

ثم قال إنه توفي في يوم الأحد السابع والعشرين من ذي القعدة سنة ست وستمائة وصلى عليه يوم الاثنين بالمدرسة النظامية

قلت هذا هو الصواب في تاريخ وفاته وذكر غيره أنه توفي في طريق خراسان لما توجه رسولا إلى السلطان شهاب الدين الغوري إلى غزنة وهو وهم فإنه عاد من عند السلطان المذكور إلى بغداد في سنة ثلاث وستمائة وأقام بها إلى أن توفي في سنة ست وستمائة

1288 يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن حزام ابن محمد بن جمعة النووي الشيخ الإمام العلامة محيي الدين أبو زكريا

شيخ الإسلام أستاذ المتأخرين وحجة الله على اللاحقين والداعي إلى سبيل السالفين

كان يحيى رحمه الله سيدا وحصورا وليثا على النفس هصورا وزاهدا لم يبال بخراب الدنيا إذا صير دينه ربعا معمورا له الزهد والقناعة ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة والمصابرة على أنواع الخير لا يصرف ساعة في غير طاعة هذا مع التفنن في أصناف العلوم فقها ومتون أحاديث وأسماء رجال ولغة وتصوفا وغير ذلك

وأنا إذا أردت أن أجمل تفاصيل فضله وأدل الخلق على مبلغ مقداره بمختصر القول وفصله لم أزد على بيتين أنشدنيهما من لفظه لنفسه الشيخ الإمام وكان من حديثهما أنه أعني الوالد رحمه الله لما سكن في قاعة دار الحديث الأشرفية في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة كان يخرج في الليل إلى إيوانها ليتهجد تجاه الأثر الشريف ويمرغ وجهه على البساط وهذا البساط من زمان الأشرف الواقف وعليه اسمه وكان النووي يجلس عليه وقت الدرس فأنشدني الوالد لنفسه

‏(‏ وفي دار الحديث لطيف معنى على بسط لها أصبو وآوي ‏)‏

‏(‏ عسى أني أمس بحر وجهي مكانا مسه قدم النواوي ‏)‏

ولد النووي في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة بنوى وكان أبوه من أهلها المستوطنين بها وذكر أبوه أن الشيخ كان نائما إلى جنبه وقد بلغ من العمر سبع سنين ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان فانتبه نحو نصف الليل وقال يا أبت ما هذا الضوء الذي ملأ الدار فاستيقظ الأهل جميعا قال فلم نر كلنا شيئا قال والده فعرفت أنها ليلة القدر

وقال شيخه في الطريقة الشيخ ياسين بن يوسف الزركشي رأيت الشيخ محيي الدين وهو ابن عشر سنين بنوى والصبيان يكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم ويقرأ القرآن في تلك الحال فوقع في قلبي حبه وجعله أبوه في دكان فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن قال فأتيت الذي يقرئه القرآن فوصيته به وقلت له هذا الصبي يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم وينتفع الناس به فقال لي منجم أنت فقلت لا وإنما أنطقني الله بذلك فذكر ذلك لوالده فحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام

فصل

لا يخفى على ذي بصيرة أن لله تبارك وتعالى عناية بالنووي وبمصنفاته وأستدل على ذلك بما يقع في ضمنه فوائد حتى لا تخلو ترجمته عن الفوائد فنقول

ربما غير لفظا من ألفاظ الرافعي إذا تأمله المتأمل استدركه عليه وقال لم يف بالاختصار ولا جاء بالمراد ثم نجده عند التنقيب قد وافق الصواب ونطق بفصل الخطاب وما يكون من ذلك عن قصد منه لا يعجب منه فإن المختصر ربما غير كلام من يختصر كلامه لمثل ذلك وإنما العجب من تغيير يشهد العقل بأنه لم يقصد إليه ثم وقع فيه على الصواب وله أمثلة منها

قال الرافعي في كتاب الشهادات في فصل التوبة عن المعاصي الفعلية في التائب إنه يختبر مدة يغلب على الظن فيها أنه أصلح عمله وسريرته وأنه صادق في توبته وهل تتقدر تلك المدة قال قائلون لا إنما المعتبر حصول غلبة الظن بصدقه ويختلف الأمر فيه بالأشخاص وأمارات الصدق هذا ما اختاره الإمام والعبادي وإليه أشار صاحب الكتاب بقوله حتى يستبرىء مدة فيعلم إلى آخره وذهب آخرون إلى تقديرها وفيه وجهان قال أكثرهم يستبرأ سنة انتهى بلفظه

فإذا تأملت قوله قال أكثرهم وجدت الضمير فيه مستحق العود على الآخرين الذاهبين إلى تقديرها لا إلى مطلق الأصحاب فلا يلزم أن يكون أكثر الأصحاب على التقدير فضلا عن التقدير بسنة بل المقدر بعضهم واختلف المقدرون في المدة وأكثرهم على أنها سنة فهذا ما يعطيه لفظ الرافعي في الشرح الكبير وصرح النووي في الروضة بأن الأكثرين على تقدير المدة بسنة فمن عارض بينها وبين الرافعي بتأمل قضى بمخالفتها له لأن عبارة الشرح لا تقتضي أن أكثر الأصحاب على التقدير وأنه سنة بل إن أكثر المقدرين الذين هم من الأصحاب على ذلك ثم يتأيد هذا القاضي بالمخالفة بأن عبارة الشافعي رضي الله عنه ليس فيها تقدير بسنة ولا بستة أشهر وإنما قال أشهر وأطلق الأشهر رضى الله عنه اطلاقا إلا أن هذا إذا عاود كتب المذهب وجد الصواب ما فعله النووي فقد عزى التقدير وأن مقداره سنة إلى أصحابنا قاطبة فضلا عن أكثرهم الشيخ أبو حامد الإسفرايني في تعليقه وهذه عبارته قال الشافعي ويختبر مدة أشهر ينتقل فيها من السيئة إلى الحسنة ويعف عن المعاصي وقال أصحابنا يختبر سنة انتهى

وكذلك قال القاضي الحسين في تعليقته ولفظه قال الشافعي مدة من المدد قال أصحابنا سنة انتهى

وكذلك الماوردي ولفظه وصلاح عمله معتبر بزمان اختلف الفقهاء في حده فاعتبره بعضهم بستة أشهر واعتبره أصحابنا بسنة كاملة انتهى

وكذلك الشيخ أبو إسحاق فإنه قال في المهذب وقدر أصحابنا المدة بسنة

وكذلك البغوي في التهذيب وجماعات كلهم عزوا التقدير بالسنة إلى الأصحاب فضلا عن أكثرهم ولم يقل بعض الأصحاب إلا القاضي أبو الطيب والإمام ومن تبعهما فإنهم قالوا قال بعض أصحابنا تقدر بسنة وقال بعضهم زاد الإمام أن المحققين على عدم التقدير

ومن تأمل ما نقلناه أيقن بأن الأكثرين على التقدير بسنة وبه صرح الرافعي في المحرر ولوح إليه تلويحا في الشرح الصغير فظهر حسن صنع النووي وإن لم يقصده عناية من الله تعالى به

1289 يحيى بن عبد الرحمن بن عبد المنعم الإمام فخر الدين أبو زكريا القيسي الواعظ المغربي المعروف بالأصبهاني عرف بذلك لدخوله أصبهان

ولد بدمشق ودخل أصبهان وتفقه بها وقرأ الخلافيات وبرع وسمع الحديث من أبي بكر بن ما شاده وعبد الله بن عمر بن عبد الله المعدل وسمع بالثغر من أبي الطاهر السلفي

حدث عنه أبو جعفر بن عميرة الضبي وأبو بكر بن مسدي الحافظ وغيرهما

ودخل بلاد المغرب وأخذ ببجاية عن الحافظ عبد الحق الإشبيلي وجال في بلاد الأندلس واستوطن غرناطة

وكان فقيها فاضلا زاهدا عابدا مجمعا على دينه وورعه مشهورا بالكرامات والأحوال

صنف كتاب الروضة الأنيقة وكتابا في الخلافيات بين الشافعي وأبي حنيفة

توفي في سادس شوال سنة ثمان وستمائة بغرناطة

قال ابن مسدي قحطنا بغرناطة فنزل أميرها إلى شيخنا أبي زكريا فقال تذكر الناس فلعل الله يفرج عن المسلمين فوعظ فورد عليه وارد سقط وحمل ومات بعد ساعة فلما كفن وأدخل حفرته انفتحت أبواب السماء وسالت الأودية زمانا

1290 أبو بكر بن قوام بن علي بن قوام بن منصور بن معلا بن حسن ابن عكرمة بن هارون بن قيس بن ربيعة بن عامر ابن هلال بن قصي بن كلاب البالسي

الشيخ الزاهد العابد صاحب الأحوال والكرامات المجمع على علمه ودينه

كان شافعي المذهب أشعري العقيدة

ولد بمشهد صفين سنة أربع وثمانين وخمسمائة ثم انتقل إلى مدينة بالس وبها ربي

وقد ألف في مناقبه حفيده الشيخ أبو عبد الله محمد بن الشيخ عمر بن الشيخ أبي بكر مصنفا حسنا وأنا أذكر بعض ما فيه

قال كان إماما ورعا عالما زاهدا له كرامات وأحوال حسن الأخلاق لطيف الذات والصفات وافر الأدب والعقل دائم البشر مخفوض الجناح كثير التواضع شديد الحياء متمسكا بالآداب الشرعية

قال وكان الشيخ أبو بكر يقول كانت الأحوال تطرقني في بداية أمري فكنت أخبر بها شيخي فنهاني عن الكلام فيها وكان عنده سوط يقول متى تكلمت في شيء من هذا ضربتك بهذا السوط ويأمرني بالعمل ويقول لي لا تلتفت إلى شيء من هذه الأحوال فما زلت معه كذلك حتى كنت عنده في بعض الليالي وكانت لي أم ضريرة وكنت بارا بها ولم يكن لها من يخدمها غيري فاستأذنت الشيخ في المضي إليها فأذن لي وقال إنه سيحدث لك في هذه الليلة أمر عجيب فأثبت له ولا تجزع فلما خرجت من عنده وأنا مار إلى جهة أمي سمعت صوتا من جهة السماء فرفعت رأسي فإذا نور كأنه سلسلة متداخل بعضها في بعض فالتفت على ظهري حتى أحسست ببردها في ظهري فرجعت إلى الشيخ فأخبرته بما وقع لي فقال الحمد لله وقبلني بين عيني وقال يا بني الآن تمت النعمة عليك أتعلم ما هذه السلسلة فقلت لا فقال هذه سنة رسول الله وأذن لي في الكلام وكان قد نهاني عنه

وكان يقول حضرت بين يدي رسول الله وذلك أن الخضر عليه السلام جاءني في بعض الليالي وقال قم يا أبا بكر فقمت معه فانطلق بي حتى أحضرني بين يدي رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والأولياء رضي الله عنهم فسلمت عليهم فردوا علي السلام فقال رسول الله يا أبا بكر فقلت لبيك يا رسول الله فقال إن الله قد اتخذك وليا فاختر لنفسك واشترط فوفقني الله تعالى وقلت يا رسول الله أختار ما اخترته أنت لنفسك فسمعت قائلا يقول إذا لا نبعث لك من الدنيا إلا قوتك ولا نبعثه إلا على يد صاحب آخرة

فقال رسول الله تقدم يا أبا بكر فصل بنا فهبت من رسول الله والصحابة والأولياء أن أتقدم فقلت في نفسي كيف أتقدم على جماعة فيهم رسول الله

فقال رسول الله تقدم فإن في تقدمك سر الولاية ولتكون إماما يقتدي بك فتقدمت بأمر رسول الله وصليت بهم ركعتين قرأت في الأولى بالفاتحة وإنا أعطيناك الكوثر وفي الثانية بالفاتحة وقل هو الله أحد

ذكر ما أظهره الله تعالى له من الكرامات والأحوال

سمعته يوما وقد دخل إلى البيت وهو يقول لزوجته ولدك قد أخذه قطاع الطريق في هذه الساعة وهم يريدون قتله وقتل رفاقه فراعها قول الشيخ رضي الله عنه فسمعته يقول لها لا بأس عليك وإني قد حجبتهم عن أذاه وأذى رفاقه غير أن مالهم يذهب وغدا إن شاء الله يصل هو ورفاقه فلما كان من الغد وصلوا كما ذكر الشيخ وكنت فيمن تلقاهم وأنا يومئذ ابن ست سنين وذلك سنة ست وخمسين وستمائة

وحدثني الشيخ شمس الدين الخابوري قال خرجت إلى زيارة الشيخ ووقع في نفسي أن أسألة عن الروح ولما حضرت بين يديه أنسيت من هيبته ما كان وقع في نفسي من السؤال فلما ودعته وخرجت إلى السفر سير خلفي بعض الفقراء فقال لي كلم الشيخ فرجعت إليه فلما دخلت عليه قال لي يا أحمد قلت لبيك يا سيدي قال ما تقرأ القرآن قلت بلى يا سيدي قال اقرأ يا بني ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ يا بني شيء لم يتكلم فيه رسول الله كيف يجوز لنا أن نتكلم فيه

وحدثني الشيخ إبراهيم بن الشيخ أبي طالب البطائحي قال كان الشيخ يقف على حلب ونحن معه ويقول والله إني لأعرف أهل اليمين من أهل الشمال منها ولو شئت أن أسميهم لسميتهم ولكن لم نؤمر بذلك ولا انكشف سر الحق في الخلق

وحدثني الشيخ معضاد بن حامد بن خولة قال كنا مع الشيخ في حفر النهر الذي ساقه إلى بالس فاجتمع عندنا في بعض الأيام خلق كثير في العمل فبينما نحن نعمل إذ جاءنا راعد قوي فيه برد كبار فقال له الشيخ محمد العقى وكان من أجل أصحابه يا سيدي قد جاء هذا الراعد وربما يعطل الجماعة عن العمل فقال له الشيخ اعمل وطيب قلبك فلما دنا الراعد منا استقبله الشيخ وأشار بيده إليه وقال خذ يمينا وشمالا بارك الله فيك فتفرق عنا بإذن الله وما زلنا نعمل والشمس طالعة علينا ودخلنا إلى البلد ونحن نخوض الماء كما ذكر

وكان سبب عمل هذا النهر أنه كان في البلد نهر يعرف بنهر زبيدة وقد تعطل وخرب من سنين كثيرة وكان للناس فيه نفع كثير فشكوا ذلك إلى الملك الناصر فأمر باستخراجه واستخرج منه جانب ثم رأى أنه يغرم عليه مال كثير فتركوه ومضوا

فلما علم الشيخ ضرر الناس إليه ونفعهم به خرج في جماعة من الفقراء إلى الفرات وجاء إلى مكان منه وقال هاهنا أستخرج نهرا إلى باب البلد ينتفع الناس به وحفر بيده وحفر الفقراء معه فسمع الناس في الشط وغيره من البلاد الحلبية فجاءوا أرسالا يعملون معه بحيث كان يجتمع في اليوم الواحد ما يزيد على أربع مائة رجل فاستخرجه في مدة يسيرة وانتفع الناس به وهو إلى الآن يعرف بنهر الشيخ

وحدثني الشيخ الصالح محمد بن ناصر المشهدي قال كنت عند الشيخ وقد صلى صلاة العصر في المسجد الذي كان يصلي فيه وقد صلى معه خلق كثير فقال له بعض الحاضرين يا سيدي ما علامة الرجل المتمكن وكان في المسجد سارية فقال علامة الرجل المتمكن أن يشير إلى هذه السارية فتشتعل نورا فنظر الناس إلى السارية فإذا هي تشتعل نورا أو كما قال

وحدثني الشيخ إبراهيم بن الشيخ أبي طالب البطائحي قال كنت بحضرة الشيخ وقد نازله حال فقال يا إبراهيم أين مراكش فقلت يا سيدي في الغرب قال وبغداد قلت في الشرق قال وعزة المعبود لقد أعطيت في هذه الساعة حالا لو أردت أن أقول لبغداد كوني مكان مراكش ولمراكش كوني مكان بغداد لكانتا

وحدثني أيضا قال سئل الشيخ وأنا حاضر عن الرجل المتمكن ما علامته وكان بين يديه طبق فيه شيء من الفاكهة والرياحين فقال أن يشير بسن إلى هذا الطبق فيرقص جميع ما فيه فتحرك جميع ما كان في الطبق ونحن ننظر إليه

وسمعت الشيخ الصالح العابد إسماعيل بن أبي الحسن المعروف بابن الكردي يقول حججت مع أبوي فلما كنا بأرض الحجاز وسار الركب في بعض الليالي وكان أبواي راكبين في محارة وكنت أمشي تحتها فحصل لي شيء من القولنج فعدلت إلى مكان وقلت لعلي أستريح ثم ألحق الركب فنمت فلم أشعر إلا والشمس قد طلعت ولم أدر كيف أتوجه ففكرت في نفسي وفي أبوي فإنه لم يكن معهما من يخدمهما ولا من يقوم بشأنهما غيري فبكيت عليهما وعلى نفسي فبينما أنا أبكي إذ سمعت قائلا يقول ألست من أصحاب الشيخ أبي بكر بن قوام فقلت بلى والله فقال سل الله به فإنه يستجاب لك فسألت الله به كما قال فوالله ما استتم الكلام إلا وهو واقف عندي وقال لا بأس عليك ووضع يده في يدي وسار بي يسيرا وقال هذا جمل أبويك فسمعتهما وهما يبكيان علي فقلت لا بأس عليكما وأخبرتهما بما وقع لي

وحدثني أيضا قال كنا جلوسا مع الشيخ رضي الله عنه في تربة الشيخ رافع رضي الله عنه ونحن ننظر إلى الفرات إذ لاح لنا على شاطئ الفرات رجل فقال الشيخ أترون ذلك الرجل الذي على شاطئ الفرات فقلنا نعم فقال إنه من أولياء الله تعالى وهو من أصحابي وقد قصد زيارتي من بلاد الهند وقد صلى العصر في منزله وتوجه إلي وقد زويت له الأرض فخطا من منزله خطوة إلى شاطئ الفرات وهو يمشي من الفرات إلى ها هنا تأدبا منه معي وعلامة ما أقول لكم أنه يعلم أني في هذا المكان فيقصده ولا يدخل البلد فلما قرب من البلد عرج عنه وقصد المكان الذي فيه الشيخ والجماعة فجاء وسلم وقال يا سيدي أسألك أن تأخذ علي العهد أن أكون من أصحابك فقال له الشيخ وعزة المعبود أنت من أصحابي فقال الحمد لله لهذا قصدتك واستأذن الشيخ في الرجوع إلى البلد فقال له الشيخ أين أهلك قال في الهند قال متى خرجت من عندهم قال صليت العصر وخرجت لزيارتك فقال له الشيخ أنت الليلة ضيفنا فبات عند الشيخ وبتنا عنده

فلما أصبحنا من الغد قال السفر فخرج الشيخ وخرجنا في خدمته لوداعه فلما صرنا في الصحراء وأخذ في وداع الشيخ وضع الشيخ يده بين كتفيه ودفعه فغاب عنا ولم نره فقال الشيخ وعزة المعبود في دفعتي له وضع رجله في باب داره بالهند أو كما قال

وسمعت الأمير الكبير المعروف بالأخضري وكان قد أسن يحكي لوالدي قال كنت مع الملك الكامل لما توجه إلى الشرق فلما نزلنا بالس قصدنا زيارة الشيخ مع فخر الدين عثمان وكنا جماعة من الأمراء فبينما نحن عنده إذ دخل رجل من الجند فقال يا سيدي كان لي بغل وعليه خمسة آلاف درهم فذهب مني وقد دللت عليك

فقال له الشيخ اجلس وعزة المعبود قد قصرت على آخذه الأرض حتى ما بقى له مسلك إلا باب هذا المكان وهو الآن يدخل فإذا دخل وجلس فأشير إليك بالقيام فقم وخذ بغلك ومالك

فلما سمعنا كلام الشيخ قلنا لا تقوم حتى يدخل هذا الرجل فبينما نحن جلوس إذ دخل الرجل فأشار الشيخ إليه فقام وقمنا معه فوجدنا البغل والمال بالباب وأخذه صاحبه

فلما حضرنا عند السلطان أخبرناه بما رأينا من الشيخ فقال أحب أن أزوره فقال فخر الدين عثمان إن البلد لا يحمل دخول مولانا السلطان فسير إليه فخر الدين عثمان فقال له السلطان يحب أن يراك وإن البلد لا يحمل دخوله فهل يرى سيدي الشيخ يخرج إليه ليراه

فقال له الشيخ يا فخر الدين إذا رحت أنت عند صاحب الروم يطيب للملك الكامل فقال لا قال فكذلك أنا إذا رحت إلى عند الملك الكامل لا يطيب لأستاذي ولم يخرج إليه

وحدثني الشيخ الإمام العالم شمس الدين الخابوري قال كنت أكثر من ذكر الشيخ عند الفقهاء بالمدرسة النظامية بحلب فقالوا يجب أن نزوره معك ونسأله عن أشياء من فقه وتفسير وغيرهما فعزمنا على زيارته إلى بالس فبينما نحن عازمون إذ جاء بعض الفقراء فقال الشيخ يدعوك فقلت أين هو فقال في زاوية الشيخ أبي الفتح الكناني وكان من أصحابه رضي الله عنه فخرجت أنا وجماعة من الفقهاء إلى زيارته

قال فلما حضرنا عنده قال الشيخ محمد العفتى ما شأن هؤلاء الفقهاء فقلت جاءوا ليزوروا الشيخ ويسلموا عليه فقال قد حدث أمر عجيب قلت وأي شيء قد حدث قال قد ألجم الشيخ كل واحد منهم بلجام وقد مثل سره سبع وهو ينظر في وجه كل واحد منهم فلما طال بنا المجلس ولم يجسر أحد منهم أن يتكلم فقال لهم الشيخ لم لا تتكلموا لم لا تسألوا فما جسر أحد منهم أن يتكلم فقال لهم الشيخ لم لا تتكلموا لم لا تسألوا فما جسر أحد منهم أن يتكلم

فقال الشيخ للذي على يمينه مسألتك كذا والجواب عنها كذا فما زال حتى أتى على آخرهم فقاموا بأجمعهم واستغفروا الله تعالى وتابوا

وحدثني الشيخ شمس الدين الخابوري قال سألت الشيخ عن قوله تعالى ‏{‏إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ‏}‏ وقد عبد العزيز وعيسى بن مريم

فقال تفسيرها ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ‏}

فقلت له يا سيدي أنت لا تعرف تكتب ولا تقرأ فمن أين لك هذا

فقال يا أحمد وعزة المعبود لقد سمعت الجواب فيها كما سمعت سؤالك

وحدثني بعض التجار من أهل بلدنا قال خرجنا مسافرين من بالس إلى حماة وكان قد بلغنا أن الطريق مخيف ووافينا الشيخ في خروجنا فقلت له يا سيدي قد بلغنا أن الطريق مخيف ونشتهي أن لا تغفل عنا ولا تنام وتدعو لنا فقال إن شاء الله تعالى وسافرنا فلما بلغنا حماة وأنا راكب على دابتي وقد أخذني النعاس وإذا أنا بشخص قد وضع يده في عضدي وقال نحن ما نمنا فلا تنام أنت ففتحت عيني فإذا أنا بالشيخ فسلم علي ومشى معي وقال قد بلغناك إلى حماة وتركني ومضى

وحدثني الشيخ تمام بن أبي غانم قال كنا جلوسا مع الشيخ ظاهر البلد في زمن الربيع وحوله جماعة من الناس فقال وعزة المعبود إني لأنظر إلى ساق العرش كما أني أنظر إلى وجوهكم

وحكى الحاج أيوب البشمنتي قال حججت في زمن الشيخ رضي الله عنه فلما كان ليالي منى وأنا جالس على راحلتي أتلو شيئا من القرآن وإذا أنا بالشيخ رضي الله عنه قائم إلى جانبي فأخذ بعضدي وسلم علي ومضى فلما قدمنا بالس أخبرني الجماعة قالوا سألنا عنك الشيخ فقال لنا هو جالس بمنى على راحلته وهو يتلو في سورة كذا وكذا وهذه يدي في عضده فقلت لهم والله الأمر كما قال

وحدثني بعض التجار من أهل بلدنا قال دخلت إلى حلب مع عمي وكنت شابا فأخذني بعض أهلي إلى مكان وأحضر خمرا وقال لي اشرب فلما تناولت القدح لأشرب إذا أنا بالشيخ واقف بين يدي وضربني في صدري بيده وقال قم واخرج وكنت في مكان عال فسقطت منه على وجهي ورأسي وخرج الدم من وجهي ورأسي فرجعت إلى عمي والدم يقطر مني فسألني من فعل بك هذا فأخبرته بما جرى فقال الحمد لله الذي جعل لأوليائه بك عناية وعليك حماية

وحدثني الشيخ شمس الدين الخابوري خطيب جامع حلب قال كنا مع الشيخ فلا يمر على صخر ولا على شيء إلا سلم عليه وكان الشيخ شمس الدين يقول كان في نفسي أن أسأل الشيخ عن خطاب هذه الأشياء له هل يخلق الله تعالى لها في الوقت لسانا تخاطبه به أو يقيم الله تعالى إلى جانبها من يخاطبه عنها ففاتني ولم أسأله عن ذلك

وعنه أيضا قال كنا مع الشيخ في بعض أسفاره فدعي إلى مكان فلما دنونا إلى ذلك المكان تغير لونه وجعل يسترجع استرجاعا كثيرا فقلت يا سيدي أي شيء حدث فقال إنا لما أقبلنا على هذه القرية جاءت أرواح الأموات تسلم علي وفيهم شاب حسن الوجه يقول قتلت ظلما قتلني رجلان من أهل هذه القرية كنت أرعى لهما غنما وهما أخوان فقتلاني في زمن الملك العزيز وذلك أنهما اتهماني ببنت لهما وكنت بريئا منها

قال الشيخ شمس الدين وكان الرجلان اللذان فعلا ذلك الفعل يسمعان كلام الشيخ وكان بيني وبينهما معرفة فلما خلوت بهما قالا لي يا فلان إن ما قال الشيخ والله إنه لحق وصحيح ونحن قتلناه فقلت لهما ما حملكما على ذلك قالا السبب الذي قاله الشيخ ثم تبين لنا أنه من غيره وأنه كان بريئا منه كما قال الشيخ رضي الله عنه

وحدثني الشيخ إبراهيم بن الشيخ أبي طاهر البطائحي المعروف بالضرير قال توفي والدي بدمشق فقال أصحابه لا ندعك تجلس على سجادته حتى تأتينا بإجازة من بيت سيدي أحمد رضي الله عنه فتوجهت لذلك وسافرت إلى البطائح فوافق عبوري على بالس فقصدت زيارة الشيخ ولم أكن رأيته قبل ذلك ولا رآني فلما أقبلت عليه رحب بي وأكرمني وحدثني بجميع ما وقع في أسفاري وأحوالي وما قصدته وقال إنك تقدم العراق وتقضي حاجتك به وتعود إلي سرعة فقلت له يا سيدي وما هي حاجتي فقال أن تعطى إجازة بالمشيخة وأن تكون مكان أبيك وكان الأمر كما قال

فلما قدمت البطائح ودفع إلي إجازة وسجادة وخرجت لأتوضأ للصلاة فأوقع الله تعالى في قلبي الشوق إليه فألقيت الإجازة في الماء وتوجهت إليه فلما قدمت عليه وجدت بحضرته خلقا كثيرا وهو يتكلم لهم فجلست مع الناس أسمع كلامه فتكلم طويلا ثم التفت إلي وقال يا إبراهيم قلت لبيك يا سيدي قال أنت لي ومريدي وقال لمن في حضرته انظروا إلى جبهته فنظروا فقال ما تشهدون في جبهته قالوا بأجمعهم نشهد بين عينيه هلال نور فقال هذا شعار أصحابي

فتقدمت إليه وأخذ علي العهد وصرت من أصحابه رضي الله عنه

وسمعته أيضا قال كنت مقيما عند الشيخ فخطر لي السفر إلى العراق فاستأذنته في السفر فأذن لي وقال إبراهيم أريد أن أخلع عليك خلعة لا تدخل بها على أحد إلا ابتهج بك وخدمك بسببها فكان كما قال ما دخلت على أحد إلا خدمني وأكرمني

فلما دخلت بغداد نزلت في بعض الربط فخدموني وأكرموني فدعي أهل الرباط ليلة إلى مكان وكنت في صحبتهم فلما دخلنا إلى المكان الذي دعينا إليه وجلسنا وكان فيه خلق كثير فقام منهم رجل تركي وقال يا أصحابنا على هذا الفقير الشامي خلعة لم أر مثلها فقلت لهم هي من صدقات شيخي علي فقال الجميع أعاد الله علينا من بركته وبركة أمثاله

وسمعت والدي رحمه الله يقول لما كان في سنة ثمان وخمسين وستمائة وكان الشيخ في حلب وقد حصل فيها ما حصل من فتنة التتار وكان في المدرسة الأسدية فقال يا بني اذهب إلى الدار التي لنا فلعلك تجد ما نأكل قال فذهبت كما قال إلى الدار فوجدت الشيخ عيسى الرصافي وكان من أصحابه مقتولا في الدار وقد حرق وعليه دلق الشيخ لم يحترق ولم تمسه النار فأخذته وخرجت به فوجدني بعض بني جهبل وكانوا من أصحابه فسألني فأخبرته بخبر الدلق فحلف علي بالطلاق وأخذه مني

وحدثني الشيخ الصالح الناسك الشيخ إسماعيل بن سالم المعروف بالكردي قال كان لي غنم وكان عليها راع فسرح بها يوما على عادته فلما كان وقت رجوعه لم يرجع فخرجت في طلبه فلم أجده ولم أجد له خبرا فرجعت إلى الشيخ فوجدته واقفا على باب داره فلما رآني قال لي ذهبت الغنم قلت نعم يا سيدي قال قد أخذها اثنا عشر رجلا وهم قد ربطوا الراعي بوادي كذا وقد سألت الله تعالى أن يرسل عليهم النوم وقد فعل فامض إلى مكان كذا تجدهم نياما والغنم ربطا إلا واحدة قائمة ترضع سخلتها

قال فمضيت إلى المكان الذي قال فوجدت الأمر كما قال واحدة قائمة ترضع سخلتها

قال فسقت الغنم وجئت إلى البلد رضي الله عنه

وحدثني الشيخ شمس الدين الدبالعي قال حدثني فلك الدين ابن الخزيمي قال كنت بالشام في السنة التي أخذت فيها بغداد بعد أن ضاق صدري من جهة ما أصاب المسلمين وأهلي أيضا فسافرت لآخذ خبر أهلي وكان سفري على بالس فقصدت زيارة الشيخ فأتيته فسلمت عليه وجلست بين يديه فحدثني فشرح الله صدري فقال لي أهلك سلموا إلا أخاك مات وأهلك في مكان صفته كذا وكذا والناظر عليهم رجل صفته كذا وقبالة الدرب الذي هم فيه دار فيها شجر

فلما قدمت بغداد وجدت الأمر كما أخبرني رضي الله عنه وأنا سكنت الدرب الذي أخبر عنه الشيخ ورأيت الدار التي فيها الشجر وهي شجرة رمان وغيرها

وحدثني الشيخ إبراهيم بن الشيخ أبي طالب البطائحي قال كنت جالسا عند الشيخ فجاء إنسان فقال يا سيدي ذهب البارحة لي جمل وعليه حمل فلم يرد الشيخ عليه جوابا فقلت له يا سيدي إن الرجل ملهوف على ذهاب جمله فلعل أن تجيبه

فقال لي يا إبراهيم إنه لما قال لي جملي رأيت رسنه بيده فبرز من القتب سيف فقلع رسنه من يده وما بقى له فيه رزق فأستحيي أن أوحشه بالرد

ومنه أنه حضر جنازة وكان فيها جماعة من أعيان البلد فلما جلسوا لدفن الميت جلس القاضي والخطيب والوالي في ناحية وجلس الشيخ والفقراء في ناحية وتكلم القاضي والوالي في كرامات الأولياء وأنه ليس لها حقيقة وكان الخطيب رجلا صالحا فلما قاموا ليعزوا أهل الميت جاء الجماعة ليسلموا على الشيخ فقال الشيخ يا خطيب أنا لا أسلم عليك فقال ولم يا سيدي فقال إنك لم ترد غيبة الأولياء ولم تنتصر لهم

والتفت الشيخ إلى القاضي والوالي وقال أنتما تنكران كرامات الأولياء فما تحت أرجلكما قالا لا نعلم قال تحت أرجلكما مغارة ينزل إليها بخمس درجات فيها شخص مدفون هو وزوجته وها هو قائم يخاطبني ويقول كنت ملك هذين البلدين نحو ألف عام وهو على سرير وزوجته قبالته ولا تبرح من هذا المكان حتى يكشف عنها فدعا بفؤوس وكشف المكان والجماعة حاضرون فوجدوه كما قال الشيخ والمغارة إلى هذا التاريخ مفتوحة ترى وتشهد على جانب طريق حلب

وحدثني الإمام العالم الصاحب محيي الدين ابن النحاس رحمه الله قال كان الشيخ يتردد إلى قرية تريدم وكان لها مسجد صغير من قبلي القرية لا يسع الناس فخطر لي أن أبني مسجدا أكبر منه من شمالي القرية فقال لي الشيخ ونحن جلوس في المسجد يا محمد لم لا تبني مسجدا يكون أكبر من هذا

فقلت له يا سيدي قد خطر لي هذا الأمر إن شاء الله تعالى

فقال لا تبنه حتى توقفني على المكان الذي تريد أن تبني فيه

فقلت نعم

فلما أردت أن أبني جئت إليه فقلت له فقام معي وجئنا إلى المكان الذي خطر لي فقلت هذا المكان يا سيدي فرد كمه على أنفه وجعل يقول أف أف لا ينبغي أن يبنى هنا مسجد فإن هذا المكان مسخوط على أهله ومخسوف بهم فتركته ولم أبنه

فلما كان بعد مدة احتجنا إلى استعمال لبن من ذلك المكان فلما كشفناه وجدناه كما قال الشيخ رضي الله عنه نواويس مقلبة على وجوهها والمكان إلى هذا التاريخ يعرف بقرية تريدم

وحدثني الشيخ الصالح الناسك الورع علي بن سعيد المعروف بالزريزير قال أخذ علي الشيخ العهد وأنا شاب فخطر لي زيارة القدس فاستأذنته في ذلك فقال يا بني أنت شاب وأخشى عليك فألححت عليه فإذن لي وقال سأجعل سري عليك كالقفص الحديد وقال لي إذا قدمت قصير دمشق فادخل القرية واسأل عن الشيخ علي بن الجمل وزره فإنه من أولياء الله تعالى

قال فلما دخلت القرية سألت عنه فدللت عليه فلما طرقت الباب خرج إلي بعض أهله وقال لي ادخل يا علي باسمي فإن الشيخ قد أوصى بك وقال يقدم عليكم فقير اسمه علي من أصحاب الشيخ أبي بكر بن قوام فأذنوا له بالدخول حتى أجيء

قال فدخلت وجلست حتى جاء الشيخ فقمت وسلمت عليه فرحب بي وقال لي يا علي البارحة جاءني الشيخ وأوصاني بك وأيضا فلا بأس عليك فإن سر الشيخ عليك كالقفص الحديد فأقمت عنده ثم توجهت إلى القدس فلما وصلت إليه وجدت إنسانا خارج البلد وقد حمي الحر فسلمت عليه فرد علي السلام وقال يا بني أبطأت علي فإني من الغداة في هذا الموضع أنتظرك فخفت منه وخشيت أن يكون صاحب ريبة فقال لي يا علي لا تخف فإن الشيخ جاءني وأوصاني بك فسرت معه إلى منزله فوضع لي طعاما وقال كل فأكلت فلما جاء وقت الصلاة قال قم حتى نصلي في الحرم فقمنا ودخلنا الحرم وصلينا الصلوات الخمس وعدنا إلى المنزل فلما جاء الليل قام ولم يزل يصلي حتى طلع الفجر وكلما أحس بي مستقيضا جلس فإذا نمت قام فصلى فأقمت عنده أياما ثم توجهت رإلى زيارة الخليل فخرج معي وودعني فلما كنت قرب الخليل خرج علي أربعة نفر قطاع طريق فلما قربوا مني وإذا بهم قد بهتوا ونظروا إلى ورائي فنظرت فإذا شخص واقف وعليه ثياب بيض وهو ملثم فقال لي امض في طريقك فمضيت ولم يزل معي حتى أشرفت على الخليل ورأيت البلد ورأيته واقفا يدعو فدخلت البلد وزرت

فلما عدت إلى بالس بدأت بالسلام على الشيخ فلما سلمت عليه أخبرني بجميع ما وقع لي في سفري وقال لولا ذلك الملثم لأخذ قطاع الطريق ثيابك فعلمت بأنه كان الشيخ رضي الله عنه

قلت وهكذا ينبغي أن يكون الشيخ على المريد فإنه قد قيل الشيخ من جمعك في حضورك وحفظك في مغيبك وهذبك بأخلاقه وأدبك بإطراقه وأنار باطنك بإشراقه

وسمعت والدي رحمه الله يقول كان من أصحاب الشيخ رجل يقال له الحاج مهدي كثير التردد إلى دمشق فقال له الشيخ يا حاج مهدي إذا قدمت دمشق فقف عند باب مسجد القصب وناد يا شيخ مظفر فسيجيبك فقل له الشيخ أبو بكر بن قوام يسلم عليك ويقول لك أنت من الأولياء الذين لا يعلمون بأنفسهم

وأدركنا نحن الشيخ مظفرا وزرناه وكان كما قال الشيخ رضي الله عنه من أولياء الله تعالى وكان يقصد بالزيارة ورأيته ينتمي إلى الشيخ ويقول أنا من أصحابه فإنه أخبرني بحالي ولم يرني

وحدثني الشيخ أبو المجد بن أبي الثناء قال كنت عند الشيخ وقد قدم عليه الشيخ نجم الدين البادرائي متوجها إلى بغداد وقد ولاه الخليفة القضاء فسمعته يقول للشيخ يا سيدي قد ولاني الخليفة قضاء بغداد وأنا كارهه فقال له طيب بها قلبك فإنك لا تحكم فيها وحدثه أشياء

وسمعت الشيخ يقول له يا شيخ نجم الدين هذا إنسان صفته كذا وكذا من أعيان الناس وهو قريب من الملك الناصر خاطره متعلق بك وهو يشير إليك بخنصره فقال له صدقت يا سيدي هذا الشخص دفع إلي فص خاتم له قيمة وقال لي يكون عندك وديعة والله ما أعلم أحدا من خلق الله تعالى علم بهذا الفص حين دفعه إلي وقد حفظته في مزدوجتي من حذري عليه وكان كما قال الشيخ فإن الشيخ نجم الدين قدم بغداد ومات ولم يحكم بين اثنين

وحدثني زكي الدين أبو بكر بن أيوب التكريتي قال كنت في السنة التي أخذت فيها بغداد مع عمي الحاج علي بياع في حلب وكان الشيخ في قرية علم فقال عمي وكان من أصحابه يا بني اذهب إلى الشيخ فسله عن أهلنا ومالنا وعن ولدي حسين وعن سفر بغداد وما كنت رأيت الشيخ قبل وكنت أحب أن أراه

قال فخرجت إليه فلما رآني قال أنت أبو بكر بن أيوب فقلت نعم قال أرسلك عمك الحاج علي تسأل عن الأهل والمال وعن ولده حسين وعن السفر إلى بغداد أما الأهل فأسر البعض وسلم البعض وأما المال فإنه مدفون تحت عتبة باب الدار ولم أستثبت ما قال فيه وأما حسين فإنه أسر وسوف تجتمع به وفي جبينه أثر وقع وأما السفر إلى بغداد وقال لي أتعرف دار الشاطبية فقلت أعرفها لكن ما دختلها فقال في هذه الساعة قد أخرجوا التاتار منها بركة ذهب وهم يقتسمونه فأخرجت الدواة وكتبت اليوم والشهر والساعة التي أخبرني فيها

قال أبو بكر وكنت شابا حسن الصورة وكان في حلب امرأة قد حصل لها في إرادة فظفرت بي يوما وراودتني عن نفسي فتمنعت عليها فعضتني في كتفي فأثرت فيه وبقيت أياما لا يعلم بها أحد إلا الله فلما أردت السفر من عنده خرج معي لوداعي فلما خلا بي قال ما هذه العضة التي في كتفك فاستحييت منه فقال تب ولا تعد لمثلها وسافرنا إلى بغداد فلما قدمنا سألت عن ذلك الذهب الذي أخذ من دار الشاطبية فدللت على إنسان كان حاضرا فجئت إليه وسألته فقال نعم كنت حاضرا وكتبت اليوم والشهر والساعة فقلت له أخرج لي دستورك فأخرجه وقابلته على دستور فوجدت التاريخ التاريخ لا يزيد عليه ولا ينقص عنه

وحدثني الشيخ خزيمة بن نصر البلعرانى قال قدم علينا الشيخ فاجتمع الناس ليسلموا عليه وكنت فيهم وأنا شاب فسمعته يقول قد جاء الأموات يسلموا علي وفيهم شاب أشقر في يده سكين وعليه قميص ملطخ بالدم وهو يقول قتلت بهذه السكين أتعرفونه فسكت الجماعة ولم يجبه أحد منهم فقال مالكم كأنكم ما تعرفونه فقالوا نعم فقال هو يقول اسمي نصر فقلت أنا هو أبي يا سيدي قال صدقت وقال الجماعة كلهم هو أبوه يا سيدي الآن عرفنا فإن أباه قتل وهو شاب وقال أيضا فيهم شيخ طويل يقول أنا أعرف بابن الطحان مت منذ أربعمائة سنة فقال الجماعة عندنا أملاك تعرف بأملاك بني الطحان إلى الآن

وسمعت الشيخ إبراهيم بن الشيخ أبي طالب البطائحي فقال قصدت زيارة الشيخ فصحبت في طريقي أقواما فتحدثوا في الخمر ومجالسته وآلته فلما دخلت على الشيخ قال ما هذه الحالة قلت ما هي يا سيدي قال بين يديك خمر وآلته فقلت يا سيدي صحبت أقواما فتحدثوا في الخمر فأثر علي ما قلت قال صدقت يا بني صاحب الأخيار وجانب الأشرار ما استطعت فإن صحبتهم عار في الدنيا والآخرة

قلت هذا بعض ما ذكره جامع المناقب ثم عقد بعده فصولا لما كان عليه هذا الشيخ الجليل من المجاهدة والعمل الدائم ولفرائد كلامه وفوائده ولاطراحه للتكلف وتواضعه ورأفته ورقته

ثم ذكر أنه توفي يوم الأحد سلخ رجب سنة ثمان وخمسين وستمائة بقرية يقال لها علم بالقرب من حلب ودفن هناك في تابوت لأجل النقلة فإنه أوصي بذلك وقال أنا لا بد أن أنقل إلى الأرض المقدسة وكان كما قال فإنه نقل بعد موته باثنتي عشرة سنة إلى جبل قاسيون ودفن بالزاوية المعروفة بهم وقد زرت قبره مرات